كيف تختفي الجبال في فلسطين؟

23 01 2008

في عام 1967، كان مجدي الشوملي، يبيع التذكارات الدينية والسياحية أمام كنيسة المهد في مدينة بيت لحم، وهو من جملة الأولاد الذين أشار إليهم الروائي أميل حبيبي، في (سداسية الأيام الستة)، تلك السلسة القصصية التي رصدت حربا شكلت مفصلا في تاريخ العرب المعاصر، ورغم أن السداسية من النصوص الأهم التي كتبت عن (حرب الأيام الستة)،  إلا أنها عانت من طغيان شهرة رواية حبيبي (المتشائل) المبهرة، والتي لم تبزها أي من أعماله الأخرى واسماها (بيضة الديك) التي تاتي في العمر مرة واحدة، وفي اغلب المرات لا تات.ولدى الشوملي، الذي اصبح كاتبا وناشطا ثقافيا، أشياء أخرى غير أميل حبيبي يذكرها عن ذلك العام، ولم تظهر إلا متأخرة، مثل رواية كتبها للفتيان بعنوان (صيف 67) وصدرت عام 2002، وتحدث فيها عن رحلة مدرسية إلى جبل أبو غنيم، في ذلك الصيف الذي شهد احتلال ما تبقى من فلسطين، ولكن الطلبة ومدرسهم يصطدمون بـ “ضيوف غرباء” على الجبل، ولكنهم مسلحين بالبنادق، ويمنعون الأولاد والطلبة من الوصول إلى الجبل.يقع جبل أبو غنيم، وهو عبارة عن غابة حرجية، تعتبر موئلا مهما للطيور والحيوانات، بين مدينتي بيت ساحور، والقدس، ضمته بلدية القدس الإسرائيلية إلى حدودها، ويحوي مواقع اثرية من بينها كنيسة قديمة وابار ومغر وقبور ومعاصر منقورة في الصخور.وفي منزل الشوملي، في البلدة القديمة ببيت ساحور، الذي يستضيف فيه أصدقائه ويظهر كثيرا من الود وحسن الضيافة، ناقش الشوملي مخطوطة روايته وهو يكتبها مع أصدقائه المقربين، بينما يقدم لهم النبيذ الأحمر الذي برع في صنعه.ولم يكن الشوملي، يحتاج إلى كثير من الشرح حول أهمية الجبل، الذي يحوي آثارا بيزنطية وأخرى اقدم، لان الجبل تحول قبل ذلك بسنوات، وتحديدا في شهر شباط (فبراير) 1997، الى أحد اشهر الجبال في العالم، يتصدر اسمه نشرات الاخبار العالمية.في ذلك الشهر، والجو في فلسطين ما زال ماطرا، أعلنت الحكومة الإسرائيلية وسط دعاية كبيرة وغريبة، عن نيتها مصادرة الجبل، الذي تعود ملكية ثلثه إلى مواطنين فلسطينيين، والباقي ذو طابع آخر من الملكية العامة، والبدء ببناء 6500 وحدة سكنية لليهود عليه.وجاء قرار الحكومة الإسرائيلية، في ظروف كانت فيها الإدارة الأميركية آنذاك، قد بدأت جهودا لإحياء ما وصف العملية السلمية، وبعد أسابيع فقط من توقيع اتفاق الخليل بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.ومثلما هو متوقع فان القرار الإسرائيلي، استتبع ردود فعل معارضة فلسطينية، وإسرائيلية خصوصا من قوى السلام والمنظمات المدافعة عن البيئة، وأميركية رسمية.وحمل ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية آنذاك، الموضوع، إلى البيت الأبيض، خلال لقائه الرئيس بيل كلينتون في بداية آذار (مارس) 1997، ولكن عرفات فوجيء بتفهم كلينتون النسبي، لقرار حكومة بنيامين نتنياهو بالسيطرة على الجبل الذي اصبح يعرف في إسرائيل بحي (هار حوما)، مشيرا إلى ضرورة أن يحاول عرفات استيعاب الضغوط التي تمارس على نتنياهو، من قبل أعضاء الائتلاف الحكومي اليمينيين، وعندما اسقط بيد عرفات، طلب من كلينتون أن يمارس ثقله على الأقل لتأجيل بناء المستوطنة الجديدة، واستجاب الرئيس الأميركي لعرفات، وارسل مبعوثه دينيس روس إلى نتنياهو، راجيا واملا تأجيل البناء.وترك نتنياهو الإجابة لآخرين من أعضاء حزبه للرد، مثل اهود اولمرت، رئيس بلدية القدس آنذاك، الذي قال بان “هار حوما (جبل أبو غنيم) هو الامتحان الجوهري لقدرة الحكومة على الاحتمال والقيادة”.وبدأت أعمال البناء في الجبل، بعد أربعة أيام، وأخذت الجرافات الإسرائيلية، تقتل الأشجار الحرجية في الجبل، بلا رحمة، وعلى الجانب الفلسطيني، بدأت أيضا احتجاجات واسعة على ما يفعله الإسرائيليون في الجبل.وصعد عشرات من الفلسطينيين إلى جبل الديك، المقابل، لجبل أبو غنيم، ونصبوا خيمتين للاعتصام، تحولتا فيما بعد إلى خيمة كبيرة.وسمح جنود الاحتلال للفلسطينيين، بوضع الخيمتين في منطقة معينة من جبل الديك، بينما بدأت أوسع حملة إعلامية، لتغطية ما يحدث في جبل أبو غنيم، ونصبت محطات التلفزة الإسرائيلية أجهزة بث لنقل الأحداث مباشرة، وفعلت مثلها بعد أيام محطات عالمية، وبعد أربعة أيام، طلبت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك مادلين أولبرايت، من سفيرها في تل أبيب آنذاك أيضا، مارتين إنديك أن يحمل رسالة، وصفتها المصادر الأميركية بـ “الصارمة” إلى نتنياهو مفادها أن واشنطن “ترى في إقامة الحي خطوة تضعضع كل ما نحاول القيام به”.ورفع المندوبون العرب في الأمم المتحدة، الموضوع إلى مجلس الأمن الذي انعقد لبحث الموضوع، ولكنهم اصطدموا بالفيتو الأميركي الصارم في كل ما يتعلق باسرائيل.أما في موقع الأحداث، فان خيم الاعتصام في جبل الديك، أخذت تستقطب المزيد من الاهتمام، وتستقبل يوميا أعدادا كبيرة من الزوار من مختلف أنحاء العالم، وإحدى هذه الخيم حولها الراحل فيصل الحسيني، الزعيم الفلسطيني البارز، إلى مقر له، واوقف على بابها بعض المرافقين له، واستقبل فيها ضيفا غريبا هو جدعون عيزرا، نائب رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) سابقا، الذي جاء ليبحث موضوع الجبل مع الحسيني، ولكن الزيارة لم تعجب المعتصمين الفلسطينيين العاديين على الجبل، وتمكن مساعدو الحسيني من إسكات المحتجين منهم، الذين اخذوا يصرخون في وجه عيزرا بعد خروجه من خيمة الحسيني، الذي ينحدر من عائلة تنتمي إلى الإقطاع السياسي في فلسطين.واراد الحسيني، الدمث والبشوش والمتواضع، إقناع المعتصمين بالمحافظة على شكل احتجاجي سلمي على ما يحدث في جبل أبو غنيم المقابل، الذي لم يؤثر الضجيج الإعلامي الكبير، أبدا على ما كان يتعرض له من تدميره كغابة حرجية، وتحويله إلى كتلة اسمنتية يهودية.وبعد أيام، ودع الحسيني، الذي يناديه الجميع بكنيته (أبو العيد) المعتصمين، وابلغهم انه سيذهب في جولة خليجية، وعندما عاد من جولته، لم يمكث إلا وقت قصير في الجبل شكر فيه المعتصمين وابلغهم أن ما حصل عليه خلال جولته، وهو مبلغ يناهز السبعة ملايين دولار، تبرع بها “الأشقاء العرب”، ما كان ليحدث لولا صمودهم في الجبل.وغادر الحسيني، جبل الديك، ليمارس عمله من القدس، ولم يعد إليه مرة أخرى، ولكن آخرين من شخصيات إسرائيلية وعربية وعالمية واصلوا التدفق إلى الجبل، ومنهم مثلا الكاتب المصري لطفي الخولي، أحد أقطاب ما عرف آنذاك بمجموعة كوبنهاجن، وهي مجموعة “سلمية” مكونة من إسرائيليين وعرب، رأت فيما يحدث في جبل أبو غنيم مناهضا لسعي المجموعة من اجل السلام، وجاء بعده شخصيات أخرى مثل الإعلامي عماد الدين أديب، الذي اعد وبث برامج من الجبل، ولدى وصوله، وجد نفسه محاطا بالمراسلين الشغوفين لأي جديد، فأطلق تصريحات منددة بما تفعله إسرائيل ولم ينس أن يحذر أميركا من مغبة صمتها أو موافقتها على الاستيطان الإسرائيلي في الجبل، وقال بان الرأي العام العربي لن يقبل أبدا بما يحدث.وخلال وجوده شارك أديب، الفلسطينيين، في صلواتهم التي كانوا يقيمونها على الجبل، خصوصا أيام الجمع.ولم تقتصر الصلوات في الجبل على أيام الجمع، ولكن في أيام الآحاد، أقيمت صلوات مسيحية، ونشاطات أخرى، خصوصا وان الربيع أعلن عن قدومه مع استمرار الاعتصام.وتأخر كثيرون عن المجيء إلى الجبل، من الشخصيات الفلسطينية التي كانت تطلق تصريحات شبه يومية عن ما يحدث في الجبل، مثل المفاوض الدكتور صائب عريقات، دون ان يدروا حقيقة ما يجري في المكان.وتحول الجبل إلى موقع لنشاطات وفعاليات كثيرة، ومتنوعة، بعضها بدا خارجا عن سياق الاعتصام في الجبل، مثل ما حدث مع شخص اسمه يورب بارني، وهو لاعب كرة سلة أميركي في فريق إسرائيلي، الذي تردد على الجبل، لمقابلة صديق فلسطيني، ليعلمه مبادئ الإسلام، وفي أحد الأيام، فأجا بارني المعتصمين على الجبل، بأنه اعتنق الإسلام، وتم الاحتفال به، واصبح اسمه بلالا.ومع استمرار إسرائيل في بنائها على جبل أبو غنيم، وبدت المستوطنة عليه تصبح أمرا واقعا، اخذ الاعتصام على جبل الديك، يفقد القه، حتى أصبحت خيمة الاعتصام خالية، إلا من شخص واحد يأتيها مساء الجمعة ويغادر مساء السبت، ولم يكن هذا سوى طالب يهودي هاو للرسم، اسمه (جون كاتس)، الذي ذهب بعيدا في القطيعة عن مجتمعه وكان يحلم بالحصول على الجنسية الفلسطينية، واصبح من مفارقات معركة جبل أبو غنيم، أن أخر المعتصمين أو “المقاتلين” فيها كان رسام يهودي شاب، ياتي يوما في الاسبوع ليرسم مناظر الجبل الخلابة التي تستعد للزوال نهائيا.وبعد فترة ليست بالقليلة من نزول الفلسطينيين عن الجبل، كان موضوعه ما زال عالقا لدى شخصية سياسية عالمية، هي روبن كوك، وزير الخارجية البريطاني العمالي، الذي أعلن وهو يزور إسرائيل، انه مصمم على زيارة جبل أبو غنيم، وهو ما عارضته الحكومة الإسرائيلية، ولكنه أصر على موقفه ووصل الجبل، ليعلن معارضته للمجزرة التي تحدثها الجرافات الإسرائيلية، وردا على زيارته ألغى نتنياهو عشاء لوزير الخارجية البريطانية، الذي تبين انه من عشاق الجبال الكبار، ومن المفارقات أيضا، انه توفي وهو في جولة على أحد جبال اسكتلندا، بعد ان زلت قدمه.    وتواصل العمل في جبل أبو غنيم، وتحولت مستوطنة هار حوما، إلى حي يهودي راق، لم يتوقف العمل فيه لحظة واحدة، وفي بداية العام 2006، أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على إحراق الجزء الاكبر مما تبقى من غابة جبل أبو غنيم، وكان الهدف هو بناء أكبر تجمع طبي في الشرق الأوسط في الموقع بالإضافة إلى تجمع ترفيهي من برك سباحة وفنادق تجذب السياح للمنطقة.وبقيت إسرائيل تعمل على تطوير الحي الاستيطاني، إلا انه اختفى من الاجندة الفلسطينية والعربية، حتى عاد مؤخرا إلى الإعلام، والسبب إعلان إسرائيلي، بعد مؤتمر انابوليس، الشروع ببناء 303 وحدات سكنية لتوسيع الحي الاستيطاني على الجبل.وما حدث بعد هذا الإعلان، ذكر بما حدث في أزمة الجبل عام 1997، بما فيه الموقف الإسرائيلي (الحكومة والمعارضة)، والفلسطيني، والأميركي (تصريحات وزيرة خارجية أميركية ثانية)، مع فارق وحيد وجوهري، انه لم يحدث تحرك جماهيري للتصدي للهجمة الاستيطانية الجديدة، والسبب الإحباط الذي يخيم على الفلسطينيين.وهناك فارق آخر، أن السيطرة الإسرائيلية توسعت في المكان لتشمل جبل الديك، أما الوحدات الاستيطانية الجديدة، فان الجرافات الإسرائيلية، صعدت إلى جبل مجاور لجبل أبو غنيم، تنتظر إشارة البدء لتنظيفه من الأشجار الحرجية.وهكذا تختفي الجبال في فلسطين، لتصبح كتلا اسمنتية، وبعد أن تراجع الاهتمام الإعلامي أمام المشهد الحزين والمأساوي، عادت إسرائيل، لتلقي بقنبلة أخرى، اشد من الأولى، لكن لم تحدث دويا كبيرا، حين أعلنت، أنها قررت بناء 1000 وحدة استيطانية في جبل أبو غنيم على أراض مصادرة من فلسطينيين، وفقا لقانون أملاك الغائبين، خلافا لأوامر المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية ميني مزوز بعدم تطبيق قانون أملاك الغائبين داخل حدود القدس، ورغم الوعد الذي قدمتها إسرائيل للولايات المتحدة بعدم تطبيق هذا القانون على الأملاك داخل القدس.وقبيل زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش، إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية، قرر المستوطنون استقباله، بالاستيلاء على 20 دونما بين جبل أبو غنيم وبيت لحم، واقامة مستوطنة عليها.ومنذ مؤتمر انابوليس حتى الان فان التطورات تلاحقت بشكل سريع، لتسيطر إسرائيل على اكثر من جبل وخربة أثرية تضم آثارا مهمة، بالقرب من جبل أبو غنيم، وإحاطة المنطقة بشوارع عسكرية والتفافية، واسيجة، أصبحت، ممنوعة ليس فقط ممنوعة على الفلسطينيين، ولكن حتى على حيواناتهم البرية، التي لم تعد تعرف أين تسكن، فاقتربت اكثر من التجمعات السكانية، وخلال الأسبوع الماضي، سجل حادثا نادرا، عندما تمكن راهب يوناني أرثوذكسي، يعيش في دير قديم قبالة الجبال المصادرة، من قتل حيوان الضبع الفلسطيني المخطط.واثار ذلك أهالي بيت ساحور، خصوصا وان منهم من قال بأنه شاهد عائلات من الضباع اقتربت للعيش من مساكن الأهالي.وأصدرت جمعية الحياة البرية في فلسطين بيانا علقت فيه على ما وصفته الحدث الكبير نسبيا بمقتل الضبع الفلسطيني جاء فيه، أن النشاط الاستيطاني في المنطقة شرد حيوانات أخرى مثل الثعلب الأحمر، وابن أوى، والنمس المصري، والغزلان، والحجل الجبلي، والأرانب البرية، والنيص/الشيهم، وغيرها التي هجرت أوكارها للابد، مثلما حدث مع أصحاب الجبال الفلسطينيين، وربما يحفز ما يحدث الشوملي، لكتابة جزء جديد من حكاية جبل ابو غنيم التي لم تنته منذ بدات قبل اربعين عاما.

http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=19&issue=10648&article=455260





خاتم خادم هيكل سليمان!?

23 01 2008

تعتبر عالمة الآثار الإسرائيلية ايلات مزار، اكثر المشتغلين بالآثار في إسرائيل إثارة للجدل، وتربط مزار كل ما تفعله في مجال الحفريات الأثرية بأحداث الكتاب المقدس، وهي حفيدة بنيامين مزار، عالم الآثار الإسرائيلي الذي بدا عمليات الحفر المثيرة للجدل خلف أسوار الحرم القدسي الشريف، بعد حزيران (يونيو) 1967 مباشرة بحثا عن هيكل سليمان، خلافا لكل القوانين الدولية التي تتعلق بالبحث عن الآثار في الأراضي المحتلة.

وحينها أوقفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، كل تراخيص الحفر التي كانت منحتها السلطات الأردنية قبل الحرب لعلماء آثار أجانب، وجعلت مزار يحتكر الحفر في القدس.

وتعرضت عمليات الحفريات التي بدأها مزار بعد احتلال القسم الشرقي من القدس إلى انتقادات واسعة، وكذلك واجهها الفلسطينيون والعرب بموجات من الغضب، ولكن هذا لم يوقفها، بل تواصلت الحفريات حتى الان، وتوسعت لتصل تحت المسجد الأقصى مباشرة، وتعتبر ايلات مزار نفسها، ليست فقط حفيدة بيولوجية لمزار الجد، ولكن أيضا تلميذته وحفيدته والمؤتمنة على رسالته الأثرية، لذا فهي تواصل ما بدأه جدها.

وينظر لايلات مزار الان، من قبل مريديها في إسرائيل وفي العالم، وقطاعات أخرى من الرأي العام الإسرائيلي، كراس حربة في إثبات أحداث التوراة استنادا إلى الحفريات الأثرية.وتنسب لمزار معظم الاكتشافات التي أعلنت في السنوات الأخيرة في محيط القدس، خصوصا بلدة سلوان، التي تعتبرها مزار بأنها مدينة الملك داود، وربطت بأحداث التوراة.

ولا تخلو إعلانات مزار من الإثارة والجدل حتى بين علماء الآثار في إسرائيل، الذي يشعر كثير منهم بالغيرة منها، ومن الإمكانيات التي وضعت تحت تصرفها للحفر في القدس القديمة، وبلدة سلوان، جنوب أسوار القدس.

وتمتلك مزار قدرة فائقة على إثارة الجدل حولها، وهو ما فعلته أخيرا حين أعلنت عن اكتشافها لخاتم يعود لاحد اليهود الذي قالت بانه عمل كأحد الخدام في الهيكل الأول، وتعرض كباقي يهود تلك الفترة للسبي إلى بابل، وقالت بأنه تم العثور على هذا الختام خلال الحفريات الأثرية التي تجريها في مدينة داود، وتقصد بلدة سلوان. والخاتم مصنوع من الحجر الأسود، ويخص شخص اسمه (تيماح) كما تقول مزار، وتقدر أن عمر الخاتم 2500 عام.

وأشارت مزار بأنها عثرت على الخاتم في الحفريات التي تجرى الان مقابل باب المغاربة، أحد أبواب بلدة القدس القديمة. وربطت مزار، بين اسم تيماح، وسفر نحميا في العهد القديم، وهو أحد الأسفار الذي يتحدث عن السبي البابلي عام 586 قبل الميلاد، ويرد في هذا السفر، أسماء العائلات التي عادت من السبي. وتقول مزار بان الخاتم يعود لاحد أفراد العائلات التي عادت من السبي البابلي إلى القدس، وترجح بأنه تم شراء هذا الخاتم من بابل.

وابعاد الخاتم هي: 2.8 في 1.8 سم، ونقش عليه صورة لاثنين من رجال الدين يقفان على جانبي مذبح تحرق فيه البخور، بشكل يمكنهما من إقامة العبادات.

ويظهر على الخاتم هلال أعلى المذبح، واعتبرته مزار بأنه أحد رموز كبيرة الآلهة البابلية، وتحت المذبح توجد أشكال عبرية يمكن تهجئتها لتدل على اسم (تيميش)، والقرب واضح بين هذا الاسم واسم (تيماح) الموجود على الخاتم.

وتقول بان الرموز الموجودة على الخاتم هي بابلية، ولكن هذا لم يشكل إزعاجا لليهود لاستخدامه، وتقصد صاحب الخاتم الذي وجد على بعد عشرات الأمتار فقط من المكان الذي تقول انه بني فيه الهيكل، وتقصد المكان الذي يشغله الان الحرم القدسي الشريف. وتضيف مزار “خاتم تيميش، يؤكد لنا وجود صلة بين علم الآثار والكتاب المقدس، وهذا الخاتم بمثابة دليل على وجود الأسرة المذكورة، مما يؤكد مصداقية الكتاب المقدس، انه امر يبعث على الدهشة”.

ومثلما فعلت مزار في اكتشافات مشابهة، استغلت مشاركتها في مؤتمر هرتسيليا السنوي، لتعلن عن اكتشافها للخاتم، مما زاد من الإضاءات الإعلامية عليه. وعندما وقفت مزار على منصة المؤتمر تحدثت أولا عن مكتشفاتها في القدس، ومن بينها ما قالت انه جزء من جدار بناه الملك سليمان وكذلك إحدى بوابات المدينة القديمة، واثار تعود إلى خمسة آلاف عام.

وقالت “من بين العشرات من المكتشفات تجدر الإشارة إلى الخاتم الذي عثرت عليه ويحمل اسم إحدى الأسر اليهودية التي عادت من السبي البابلي إلى القدس”.

وبسبب ما يتمتع به مؤتمر هرتسيليا من احترام، ويعتبر منتدى سنوي يتحدث أمامه كبار رجال الدولة والجيش والباحثين في إسرائيل، فان خاتم مزار أضحى مثار نقاش واسع.

وتصدى كثيرون من المهتمين بالآثار لتأويلات مزار بشان الخاتم، وتلخصت انتقاداتهم لها، حول بعض الأمور المنهجية، مثل قراءتها للحروف على الخاتم من اليمين إلى اليسار، وأخرى حول الرموز البابلية على الخاتم، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال تجعله ينسب لشخص يهودي.

وركز آخرون على السياق الذي وضعت فيه مزار الخاتم، وراو تعسفا في الربط بينه وبين نصوص العهد القديم، وانتقدوا اعتبار مزار له دليلا على صحة روايات العهد القديم. واعتبر هؤلاء أن قوائم الأسماء التي وردت في سفر نحميا وغيره من الأسفار هي أسماء غير واقعية، وكانت مثار نقاش وجدال بين علماء الكتاب المقدس انفسهم.

والنقاش حول الخاتم هو في بدايته، ويحظى كل يوم جديد، باهتمام آخرين من الأوساط الأكاديمية العالمية، والباحثين في تاريخ الشرق القديم، في غياب العلماء العرب أصحاب الخاتم أنفسهم والذي عثر عليه في أرضهم، وان كان ذلك تم بطريقة غير شرعية.

http://www.elaph.com/ElaphWeb/Entertainment/2008/1/298186.htm