60 عاما على اكتشاف مخطوطات البحر الميت

2 01 2008

يعتبر محمد حمّاد، الشاهد الوحيد الباقي على قيد الحياة، على قصة اكتشاف مخطوطات البحر الميت في خربة قمران المطلة على البحر الميت، وهو الاكتشاف الأثرى الذي اعتبر واحدا من أهم الاكتشافات الأثرية من القرن العشرين، الذي من شأنه أن يعيد النظر في تاريخ البشرية المعروف، أو على الأقل فيما يتعلق بما يعرف الآن بالشرق العربي: أرض الديانات والرسل والملائكة..!، حسب التقديرات المتفائلة لذلك الكشف، الذي ما زال يثير الجدل حتى الآن.

وتقدم المخطوطات صورة عن مجتمع طائفة الاسينيين الاشتراكية التي عاشت في قمران، ومناطق أخرى في صحراء البحر الميت تم العثور فيها على المخطوطات، مثل خربة مرد.
وفي الذكرى الستين لاكتشاف المخطوطات في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، بدأت دولة الكيان الصهيوني احتفالات على طريقتها بالمخطوطات التي آلت إلى سيطرتها الكاملة بعد احتلالها لما تبقى من الأراضي الفلسطينية عام 1967.

وقبل ستين عاما تمكن حماد، مع رفيقه محمد الذيب، الذي توفي قبل سنوات في أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، من العثور على المخطوطات التي ما زالت محل دراسة في أنحاء مختلفة من العالم، وسط اتهامات من باحثين مستقلين للدولة العبرية باحتكار ما لديها من مخطوطات والتلكؤ في الكشف عن مضامينها كاملة.

وفي حديث مع مؤسسة فلسطين للثقافة، يشعر حماد بالأسى الآن، أكثر من أي وقت مضى، لما يسميه اللامبالاة بشأن المخطوطات التي تضع حكومة الاحتلال يدها عليها، من قبل العالم العربي، ومن وسائل إعلامه، وهو الذي يستقبل بانتظام باحثين وصحافيين وإعلاميين أجانب ما زالت تشكل قصة المخطوطات محفزا للكتابة أو صنع أفلاما تسجيلية عنها.

وبعد مرور ستين عاما، أصبح حماد عجوزا، وهو الذي يشار إليه مع رفيقه محمد الذيب، في الكتب التي تحدثت عن هذه المخطوطات والتي تجاوزت الثلاثة آلاف دراسة بمختلف اللغات، بالولدين البدويين اللذين عثرا على المجموعة الأولى من المخطوطات التي أطلقت حملة بحث واسعة في قمران، المرتفع الجبلي الأخاذ الذي يقع البحر الميت عند أقدامه.
ما زال حماد، يحمل في روحه جذوة ذلك الصبي الراعي الذي قادته مع رفيقه الذيب إلى قمران عام 1947م، والكشف عن المخطوطات المثيرة .

وبعد الاحتلال عام 1967م، تحولت قمران، إلى معلم سياحي هام تحت السيطرة الصهيونية، ووضع المحتلون الجدد سيطرتهم على المتحف الفلسطيني بالقدس المعروف باسم (متحف روكفلر)، ونقلوا مخطوطات البحر الميت، وأثار أخرى هامة من هذا المتحف إلى متحف الكتاب في القدس الغربية، علما بان متحف روكفلر في القدس الشرقية ما زال تحت سيطرة الاحتلال أيضا.

وأسست سلطة الآثار الصهيونية في عام 1990، لجنة من العلماء لنشر نصوص المخطوطات برئاسة البروفيسور إيمانويل توف، من الجامعة العبرية بالقدس، وضمت في صفوفها العشرات من العلماء من مختلف أنحاء العالم، وأعلنت في عام 2001، أنها أكملت عملها، وتم الاحتفال بذلك في مقر رؤساء الكيان العبري، وبحضور الرئيس الصهيوني.

ولم يمنع ذلك من أن تظل المخطوطات حتى الآن مثار جدل واسع، يبرز بين كل سنة وأخرى، خصوصا وأن حكومات الاحتلال المتعاقبة متهمة من قبل البعض بعرقلة الكشف بشكل كامل عن مضمون المخطوطات.

وفي حين اعتبر باحثون ذلك، محاولة لإخفاء حقائق جديدة عن فترة نزول الكتاب المقدس والديانة المسيحية والتاريخ اليهودي في فلسطين، كان باحثون صهاينة يبررون ذلك بأن العمل في المخطوطات لم ينته بعد.

وعشية اتفاق أوسلو عام 1993، أطلقت حكومة الاحتلال حملة بحث واسعة في صحراء البحر الميت عن مخطوطات جديدة، وأسمت الحملة (البحث عن الدرج) أي المخطوطة أو الملف.

ونظمت خلال السنوات الماضية معارض في مختلف أنحاء العالم، تضمنت قطعا أثرية من التي تم العثور عليها في أثناء الحفريات التي لم تتوقف حتى الآن في خربة قمران، ومن بينها معرض مستمر في واشنطن منذ عدة سنوات.

وإذا كانت المخطوطات ما زالت تثير جدلا خصوصا حول ما يمكن أن تقدمه من إعادة النظر في تاريخ الأديان المعروف، فإنه غاب في حومة هذا الجدل الذي لا ينتهي حتى يبدأ، الظروف التي عاشها أفراد طائفة الاسينيين أصحاب المخطوطات في مجتمعهم الاشتراكي في تلك المنطقة المقفرة على ضفاف أخفض بحيرة في العالم.

ويقدر الآن للمتابعين معرفة بعض الأدوات التي استخدمها الاسينيون الذين انقطعوا للعلم وتحصيل المعرفة والكتابة التي وصلتنا على شكل مخطوطات من الجلود أو الصفائح النحاسية وغيرها، من خلال معرض تستضيفه مكتبة الكونغرس في واشنطن.

ويهدف المعرض الذي يضم قطعا من المخطوطات والأدوات التي عثر عليها أثناء البحث في قمران والكهوف المحيطة بها، إلى زيادة فهم الزوار للفترة المضطربة التي نسخت فيها المخطوطات.

ونظم المعرض بالتعاون مع سلطة الآثار الصهيونية، وافتتح بعد أن أعد له جيدا في حزيران (يونيو) 1993، ووضع إلى الشبكة العنكبوتية في نيسان (ابريل) 1996.

وفي حين يحظى المعرض باهتمام الباحثين من مختلف دول العالم وكذلك المتابعين والمهتمين، إلا انه لا يلاقي نفس الاهتمام من الباحثين العرب لأسباب غير مفهومة، مع أن الأمر يتعلق بفترة مهمة من تاريخ المنطقة، تأثيرها ما زال طاغيا حتى الان.

ويضم المعرض الذي يكشف عن جوانب من واقع مجتمع الاسينيين، جرار فخارية، قسم منها حفظ المخطوطات وسط تلك البيداء الجافة، حتى وصلتنا بفضل محمد الذيب ومحمد حماد.

وحين عرض مراسلنا على حماد صورا لنماذج الفخاريات من معرض مكتبة الكونغرس استطاع التعرف على بعضها والتأكيد على أنه عثر عليها في خربة قمران.

ولفتت انتباه حماد بشكل خاص الجرار، وهي ذات شكل أسطواني، ولم تكن معروفة في أي مكان آخر غير قمران، ولم تكشف الحفريات الأثرية عن جرار مثلها، ويعتقد العلماء أنه صنعت محليا من قبل الاسينيين في قمران.
وعثر على أدوات فخارية متعددة مثل الدوارق والقوارير الصغيرة والأواني والأطباق والسلطانيات والمزهريات، مما جعل العلماء يصفون ما عثر عليه في هذا المجال بأنه كنز أثري، ويميلون إلى الاعتقاد بأن قمران ربما كانت مركزا إقليميا متقدما لصناعة الفخار.

ويضم المعرض المثير منسوجات، عثر عليها في أحد كهوف قمران في ربيع (نيسان) 1949، وأثار وجود بعض هذه المنسوجات مخفية مع المخطوطات، التساؤلات لدى العلماء إذا كان الاسينيون استخدموها ليس فقط في اللباس وإنما أيضا ضمن تقاليد أخرى مثل طقوس الدفن.

وعثر أيضا على قطع أقمشة، غطيت بها الجرار، ونسجت بطريقة معينة دقيقة، وكذلك على سيور جلدية متعددة الأشكال، ومتعددة الاستخدام.

ومن الأدوات المعروضة قطع خشبية نادرة، وسهلت بعض السلطانيات، والصناديق، وإطارات المرايا، المصنوعة من الخشب على الدارسين الوقوف على أساليب مهنة النجارة القديمة.

ويتبين من خلال المعرض نوعية الأمشاط التي استخدمها الاسينيون، التي صممت لتصفيف الشعر بطريقة تضمن أيضا تنظيفه من أي أشياء غريبة، وتشبه شكل هذه الأمشاط مثيلاتها التي كانت شائعة في العالم العربي خصوصا في الأرياف حتى سنوات خلت.

وعثر على مصابيح في قمران، تشبه الأنواع التي عثر عليها في مواقع أخرى مثل ما يعرف بالحي اليهودي بالقدس القديمة، ويطلق على هذا النوع من المصابيح اسم (مصباح هيدريان) التي تعود لفترة الإمبراطور الروماني هيدريان، المؤثر في تاريخ القدس.

وعثر في أحد المصابيح على ألياف من النخيل شكلت فتيلته، وكأنه معد حديثا للإيقاد، ومن سعف النخيل صنع الاسينيون سلالا وحبالا، مستفيدين من تقنية الضفر الشائعة في العصر الروماني، وربما المستمر حتى الآن.

ويعتقد بأنه في أوقات الشدة تم استخدام الحصر المصنوعة من النخيل في تغليف بقايا الموتى، لإعادة دفنهم في منطقة مضطربة شهدت تمردات وثورات عديدة. 

ومن المعروضات زوج صندل ظريف، يعتقد أنه من نوع كان شائعا في تلك الفترة، لأنه وجد مثله في مواقع أخرى في فلسطين مثل قلعة مسعدة.

ونعل الصندل مصنوع من ثلاث طبقات من الجلد، وشكله لا يختلف كثيرا عن أنواع ما زالت مستخدمة حتى الآن.

ويتضمن المعرض نماذج من عملات معدنية وفضية، وبعضها غير معروف إنه استخدم في قمران، مما جعل العلماء يعتقدون بأنه عندما كان ينضم أعضاء جدد لطائفة الاسينيين كانوا يسلمون ما معهم من نقود، التي تودع في خزينة عامة، وبعض الأموال عثر عليها تحت الأبواب، وهي ممارسة شائعة في العصور القديمة.

ويثير المعرض من جديد الألغاز عن طائفة الاسينيين التي قدمها العلماء كطائفة دينية متقشفة يعيش أفرادها بشكل جماعي، يأكلون الطعام المعد من مطبخ الطائفة، ويعملون في نسخ المخطوطات في قاعة المكتبة.

وحسب بعض التقديرات فان الأدوات التي عثر عليها في الموقع ربما تناقض نظرية التقشف عن حياة الاسينيين، ولكن تقديرات أخرى ترى انه لم يكن بإمكان أفراد الطائفة العيش كجماعة منبوذة دينيا منقطعة للكتابة والتأليف دون أن يكون لديها احتياطا ماليا وفيرا.

وبمناسبة الذكرى الستين لاكتشاف المخطوطات، تعود التكهنات والأسئلة لتثار من جديد، حول طائفة الاسينيين، بينما قررت سلطة الآثار الصهيونية تشكيل لجنة دولية، لحفظ المخطوطات، بأنسب طرق الترقيم والحفظ، مكونة من عشرة خبراء عالميين، من مختلف ميادين التصوير الفوتوغرافي، والتكنولوجيات الرقمية، وإدارة مشاريع قواعد البيانات.

وبهذه المناسبة الهامة، عقد في القدس، مؤتمرا في الفترة ما بين 4-7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، حول هذه المواضيع، ونشرت سلطة الآثار الصهيونية نتائج الحفريات في قمران خلال الأعوام 1993-2004، مع الخرائط والصور.

ومقابل هذا الاهتمام الصهيوني، فإن النظر للمخطوطات من قبل أصحابها الأصليين الفلسطينيين والعرب، ما زال يكتنفه عدم الاهتمام والغفلة، منذ أن تم الكشف عنها، في الأرض الفلسطينية.

ولم تبادر أية جهة فلسطينية، خلال المفاوضات الطويلة مع الصهاينة، الى المطالبة بالمخطوطات، وكذلك لم تفعل الحكومة الأردنية، التي كانت القدس والمتحف الفلسطيني تحت سيطرتها لدى وقوع الاحتلال عام 1967، ووضع الاحتلال يدها على المخطوطات.

http://www.thaqafa.org/Main/default.aspx?xyz=BOgLkxlDHteZpYqykRlUuI1kx%2fVDUOFoUGywCJ7jZIi4zCLW%2fd90D6jJpNhH6lF7jS00vcM1LAAlbOQXwZEqvEV085FokWRmYFM%2fTS0%2fDeSY%2bRWzIbxCuAZh0EDGOUoSKXGkVga0AMg%3d





المشهد الثقافي الإسرائيلي عام 2007

2 01 2008

ظهرت في العام 2007، أصوات غاضبة في المشهد الثقافي الإسرائيلي، وعلى غير المتوقع، لم تأت من مواقع اليسار الراديكالي، كما يحدث دائما، ولكن من وسط ما يسمى الإجماع الصهيوني. وشكل، مثلا، الكتاب الذي أصدره رئيس الكنيست الأسبق ابراهام بورغ، بعنوان (لنهزم هتلر)، ما اعتبر قنبلة ثقافية مدوية. ورافق صدور الكتاب، ظهور إعلامي مكثف لصاحبه، في وسائل الإعلام المختلفة، وبسبب شخصية بورغ واستقامته التي تحظى باحترام، وكابن لإحدى الشخصيات الصهيونية الطلائعية، فان ما تحدث به في كتابه لقي صدى واسعا. ويسرد بورغ، في كتابه، قصة حياة عائلته، كعائلة يهودية نموذجية، ويقدم مراجعة لمفاهيم الصهيونية الكلاسيكية، ويوجه نقدا حادا لإسرائيل، ومقترحا تعريفات جديدة للهوية الإسرائيلية واليهودية. وركز بورغ على أن تعريف “دولة إسرائيل كدولة يهودية هو المفتاح إلى نهايتها”، وان بقاء إسرائيل “كدولة يهودية يعني أنها ستكون دائما قريبة من الانفجار، ومن الديناميت”. ودعا بورغ لإلغاء قانون العودة الحالي في إسرائيل، الذي يقصر العودة على اليهود من مختلف العالم، مطالبا باستبداله بقانون لا يميز بين يهودي وأي إنسان آخر. وقال بورغ يجب “أن لا ننظر لليهودية على أساس أنها جينات، وانما يجب توسيع تعريف الإسرائيلي إلى آفاق اكثر إنسانية، ولا يعقل أن نحصر اليهودي في الشخص الذي ولد لام يهودية فقط، يمكن لأي شخص يتفق معنا أن يكون إسرائيليا”. وهاجم بورغ ما اعتبره عسكرة المجتمع الإسرائيلي، مشيرا إلى كيف قاد العسكر الحرب الأخيرة على لبنان، وعادوا مهزومين، منوها إلى تأثير هذه العسكرة على المجتمع الإسرائيلي والعلاقات بين أفراده حيث ينتشر العنف بين الشبان والأفراد، وتزداد النساء المعنفات. ولا يحمل بورغ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، فقط السبب وراء انتشار العنف في المجتمع الإسرائيلي، ويعتبر أن الاحتلال هو جزء صغير من مشكلة المجتمع الإسرائيلي الذي يصفه بأنه مصاب بخوف مرضي، ومعوق نفسيا، وانه من اجل إنهاء هذا الخوف يجب معرفة مصدره، وهو برأي بورغ أن إسرائيل ما زالت أسيرة للكارثة التي ارتكبها هتلر بحق اليهود في الحرب العالمية الثانية. وأحد أسباب الهجوم العنيف الذي يتعرض له بورغ، هو تشبيهه لإسرائيل، بألمانيا النازية، وان كان لا يرى أن ذلك يصل إلى حد التطابق، مشيرا إلى أن الأجواء في إسرائيل شديدة الشبه بألمانيا عشية تحولها إلى النظام النازي. وردا على منتقديه سرد بورغ ما يراه تشابها بين إسرائيل وألمانيا عشية تحولها إلى النظام النازي وهي كما يقول “إحساس كبير بالمهانة القومية، واحساس برفض العالم، دافيد غروزمان وهزائم لا تفسير لها في الحروب، وكان من نتيجة ذلك مركزية الإيمان بالقوة في الهوية. ومكانة ضباط الاحتياط في المجتمع. وكمية المواطنين المسلحين في إسرائيل في الشارع. إلى أين يمضي هذا الجدول البشري المسلح؟ التعبيرات التي تصرخ في الشوارع هي: العرب إلى الخارج”، بالإضافة إلى مكانة الجيش المتعاظمة في إسرائيل التي يشبهها بالعسكرية النازية. وخلال العام 2007، أبدى عدد من الكتاب والإعلاميين الإسرائيليين، من أبناء الجيل المؤسس لدولة إسرائيل، قلقهم على مستقبل الدولة، في استطلاع لآرائهم نشرته صحيفة يديعوت احرنوت في الذكرى التاسعة والخمسين لتأسيس إسرائيل. ومن هؤلاء اهارون أمير (84) عاما الذي قال ردا على سؤال للصحيفة حول ما يهدد وجود إسرائيل بعد 59 عاما من تأسيسها؟ بان التهديد الجدي لإسرائيل هو من الداخل وان “المشكلة مع نظام قيمنا، حلمنا بمجتمع اشتراكي يتحقق فيه العدل، وإذ بنا نعيش في مجتمع رأسمالي بدلا من ذلك”. ويضيف أمير “مع كل الأشياء الرائعة التي حصلنا عليها، لدينا أشياء رهيبة تكشف جراح المجتمع”، ومن بين هذه الأشياء الرهيبة التي يراها مثقف اشتراكي صهيوني “الفجوة الهائلة بين الأغنياء والفقراء”. ويقول أمير “18 عائلة في إسرائيل تسيطر على كل شيء تقريبا، ووزارة المالية لا تحارب ذلك، واشير إلى أن الفساد وانعدام الأخلاق، والحياء، قد تكون إشارات عابرة لملامح هذا العام”. أما الصحافي اليساري الصهيوني اوري افنيري فاجاب عن نفس السؤال “استقلال إسرائيل في مأمن من تهديد خارجي، ولكن التهديدات الكبيرة في داخلها”، واضاف بان “الفساد ينخر في كل مكان في دولة إسرائيل، هذا البلد لا يشبه ما كان في أذهاننا عندما ناضلنا من اجل تأسيسه، لقد فقدنا كل إحساس بالمسؤولية تجاه الآخر، لم يعد لدينا الرحمة أو الشفقة”. ويتفق افنيري في أن خطر الفساد يهدد إسرائيل، ولا يستبعد أن يقتل الناس بعضهم بعضا عندما يتحول الفساد إلى ثقافة عامة داخل المجتمع الإسرائيلي. ويقول افنيري بان “الأخلاق أصبحت كلمة قذرة في هذه الأيام، وجميع المعايير الأخلاقية تغيرت في إسرائيل، ويفترض أن يكون التضامن هو حجر الأساس لبناء المجتمع، ولكن الوضع الان مختلف”. ويضيف “تحولنا من مجتمع قائم على الشراكة، إلى فجوات لا تطاق بين الطبقات الاجتماعية، واصبحنا ثاني دولة بعد الولايات المتحدة في هذا المجال”. وبرزت في العام 2007 نجومية الكاتب دافيد غروسمان، الذي عرف بانتقاداته الحادة التي وجهها لايهود اولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، خلال وبعد حرب تموز (يوليو) 2006، على لبنان. ورفض غروسمان، وهو والد جندي احتياط قتل في تلك الحرب، مصافحة اولمرت، خلال احتفالات توزيع جوائز الثقافة والعلوم في إسرائيل. ومن بين الذين سلطت عليهم الأضواء بقوة في العام 2007 المؤرخ ايلان بابيه، الذي يعتبر أحد أكثر المؤرخين الجدد راديكالية، في إسرائيل، وذلك بسبب صدور كتابه (التطهير العرقي في فلسطين). ويفسر بابيع عملية النزوح الكبيرة للفلسطينيين من بلادهم، بنظرية التطهير العرقي، واثبت بان العصابات الصهيونية اتخذت قرارا قبل اندلاع المعارك عام 1948، بتنفيذ عملية التطهير العرقي، وهو ما حدث لاحقا، ونجم عنه تدمير اكثر من 500 تجمع سكاني عربي ومسحها عن الوجود. واستقبل أيضا الجمهور الفلسطيني كتاب بابيه بكثير من الحفاوة، حيث قدم الترجمة العربية للكتاب خلال مؤتمر صحافي في مدينة رام الله. وظهر اسم بابيه وعنوانه الكامل ضمن قائمة سوداء أخرى أعدها اتباع الحاخام مئير كاهنا، باعتباره إحدى الشخصيات التي تهدد وجود دولة إسرائيل. وتم وصفه بالخائن وبانه والآخرين الذين ظهرت أسماؤهم في القائمة “لا يستحقون صفة يهودي”. وفي اكثر من مناسبة كرر بابيه رأيه بأنه لا يوجد حل غير إقامة دولة ثنائية القومية، يعيش فيها العرب واليهود، بشكل متساو. وخلال العام 2007، رحلت بعض الأصوات التي غردت خارج السرب في الثقافة الإسرائيلية، وابرزها عالم الاجتماع البارز والمؤرخ البروفيسور باروخ كيمرلنغ، الذي نظر، إليه كعراب لموجة المؤرخين الجدد في إسرائيل، التي أثارت اهتماما عالمياً. ولم تكن الدراسات باروخ كيمرلنغ والمقالات والكتب، وتنوع اهتمامات كيمرلنغ وإبداعاته المدهشة، ونظرته الكلية لمواضيع أبحاثه، هي فقط ما يمكن أن يثير الانتباه إليه، ولكن أيضا تجسيده، لما يمكن أن يوصف بأنه قصة نجاح أخرى تحدى فيها إعاقته، الناتجة عن اختناق دماغي حصل له أثناء الولادة، جعله يمضي حياته دارسا ومحاضرا وكاتبا، وهو على كرسي خاص متحرك، وأيضا بدون القدرة على النطق. ويعد كيمرلنغ كأحد ابرز (السوسيولوجيين الجدد) في إسرائيل لدراساته وأبحاثه في قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والمجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي وسوسيولوجيا الحروب. وظهر ذلك مبكرا في كتابه (الصهيونية والأرض)، الذي قال عنه كيمرلنغ “لقد بنيت سياقا آخر للمجتمع الإسرائيلي كمجتمع مكون من مهاجرين ومستوطنين”. ومثلما أعاد في كتابه هذا تعريف ما يمكن أن نسميه الهوية الإسرائيلية، فعل نفس الأمر بخصوص الهوية الفلسطينية، في كتابه (الفلسطينيون: صيرورة شعب)، الذي وضعه بالاشتراك مع البروفيسور يوئيل شموئيل مغدال، رئيس كاتدرائية الدراسات الدولية في مدرسة هنري جاكسون بجامعة واشنطن في ولاية سياتل الأميركية. وقدم كيمرلنغ مصطلحا جديدا هو (بوليتيسايد) الذي يعني (الإبادة السياسية) وعرفها بأنها المسار الذي وضعته الصهيونية لتحقيق هدفها النهائي، وهو تفكيك الوجود الفلسطيني من حيث هو كيان شرعي، واجتماعي، وسياسي، واقتصادي. ورأى كيمرلنغ في سيرة شارون كصاحب مهمة لتنفيذ هذه الإبادة السياسية، التي هي جزء عضوي من المشروع الصهيوني، مثل مشاريع الاستيطان الكبرى في العالم، التي ركز بعضها على إبادة السكان الأصليين، أو الإبادة الثقافية، أو نشر دين وثقافة المستوطنين الجدد. أما بالنسبة للمشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، فهدف إلى تنفيذ الإبادة السياسية، بتشتيت الفلسطينيين، والقضاء على وجودهم وهويتهم. وفي شهر آذار (مارس) الماضي، رحلت عالمة اللغويات تانيا راينهارت، في نيويورك، التي عاشت فيها بعد أن ضاقت بها الجامعات الإسرائيلية، لمواقفها المبدئية ضد الصهيونية، ودعوتها للجامعات العالمية لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية. وعرفت راينهارت، تلميذة نعوم تشومسكي بمواقفها غير القابلة للمساومة، حتى داخل ما يعرف بقوى اليسار الإسرائيلي، من رفضها لاتفاق أوسلو، إلى استهجانها لعملية اغتيال مؤسس حركة حماس، الشيخ احمد ياسين، الذي رأت فيه مناضلا من اجل حرية شعبه. واتخذت وزوجها الشاعر أهارون شبتاي، موقفا معاديا للحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، وأبدت تأييدا واضحا للمقاومة اللبنانية، وكتب زوجها القصائد في رثاء ضحايا المجازر الإسرائيلية التي ارتكبت خلال الحرب. ومنذ دراستها في جامعة تل أبيب، وعودتها إليها عام 1977، بعد حصولها على الدكتوراه بإشراف تشومسكي، رفضت راينهارت المشاركة فيما كانت تسميه اللعبة السياسية في إسرائيل، لان ذلك سيشكل انتقاصا من استقامتها الفكرية. وفي إحدى مقابلاتها الصحافية عام 2006، في إسرائيل قبل قرارها المغادرة، قالت راينهارت “أجد صعوبة بالغة في مواصلة حياتي اليومية، بينما على بعد كيلومتر واحد مني يعاني أناس معاناة شديدة من القهر والجوع ويحاطون بالجنود والأسلاك الشائكة، لقد وصلت إلى نقطة لم أعد أحتمل هذا الأمر، ولذلك فأنا أفكر في مغادرة هذه البلاد”. ووفقا لبعض المصادر الموثوقة فان راينهارت، هي نفسها ريتا التي كتب لها وعنها الشاعر الفلسطيني محمود درويش، متغزلا، وانشدها مارسيل خليفة.

http://www.elaph.com/ElaphWeb/Culture/2007/12/291816.htm